الاستثمار في ظل تقلب أسعار العقار




تصور أن لديك بعض المدخرات في البنك، وأنت تُنميها بين الفترة والأخرى، ولكن التضخم المفرط الذي عانى منه السودان خلال الأشهر الماضية قلل من قيمة مدخراتك إلى النصف تقريباً، فماذا تفعل، هناك عدة حلول: الأول، أن تحول مدخراتك إلى شيء أكثر قيمة، بشراء بعض العملات الأجنبية والاحتفاظ بها، أو شراء بعض السبائك الذهبية. أو الخيار الثاني، أن تشتري بعض العقارات وتأمل بأن تزداد قيمتها خلال السنوات المقبلة. وكلا الخيارين مناسبين في الوقت الحالي نوعاً ما. فعند شراء العملات أو الذهب لديك المال في صورة شبه سائلة، ومتى ما احتجت إليه بإمكانك التصرف فيه بصورة سريعة. أما العقارات فتحتاج إلى المزيد من الصبر، وترقب النتائج خلال بضع سنوات وليس بضعة أشهر.

سنأخذكم عبر هذا المقال في جولة حول الاستثمار في العقارات، ونتعرف على بعض الأمثلة، وكيفية الاستثمار في هذا السوق المحفوف بشيء من المخاطر. فقد تغيرت الأوضاع، ولم تعد مثلما كانت عليه قبل عشرين أو ثلاثين سنة من الآن.

"افتراضاً" معنا الحاج سيد أحمد، وهو يملك فيلا كبيرة في منطقة جبرة، ولديه عدد من الأبناء وهم قد تخرجوا من الجامعات وانطلقوا للبحث عن عمل خارج السودان. وبذلك قرر سيد أحمد بيع الفيلا واللحاق بأبنائه. وقد تمكن من بيعها خلال الأسبوع الماضي بمبلغ 7 مليون جنيه سوداني. ولكنه بحاجة إلى استثمار يحفظ له نقوده وينميها له لحين عودته من سفرته التي قد تمتد إلى عدة سنوات. فماذا يفعل؟

خلال تصفحه في موقع السوق وجد سيد أحمد عمارة في المعمورة مساحتها ٦٠٥ متر مربع، ومؤسسة لخمسة طوابق، منها 3 طوابق مبنية بجانب الطابق الأرضي. بسعر 16.4 مليون جنيه. وفي نفس الوقت وجد عمارة أخرى قريبة في المواصفات في مدينة النخيل بمنطقة أبو سعد مربع 18 في أم درمان، بمساحة 500 متر مربع، ويشغل البناء مساحة 320 متر مربع منها وهي مؤسسة لـستة طوابق، منها 3 طوابق مبنية بجانب الطابق الأرضي. وفي كل طابق شقتين. ويريد مالكها 8 مليون جنيه سعراً لها.

أثار الإعلانين انتباه سيد أحمد. وفي حين أن عمارة المعمورة ستكلفه ما يقارب 9.4 مليون جنيه إضافة إلى المبلغ الذي تحصل عليه من بيع فيلته، فإنه يملك بعض الأصول التي يستطيع بها تغطية المبلغ كاملاً. أما عمارة مدينة النخيل فلن تًكلفه فوق طاقته، وبإمكانه شراؤها خلال أقل من أسبوع. فأي العمارتين ستكون استثماراً جيداً له.

لنناقش سوية بعض المحددات التي ستعين سيد أحمد في قرار الاستثمار.

الموقع

الموقع هو من أهم الأشياء التي يجب الأخذ بها الاعتبار عند شراء عقار. فبعض المناطق قد لا تحصل فيها أي ازدهارات لقيمة العقارات خلال عشرات السنوات، وبعض المناطق يكون الطلب عليها كبيراً ما يجعل أسعار العقارات فيها مزدهرة على الدوام.

عمارة المعمورة تقع في المعمورة مربع 70 وهي قريبة من شارعي مدني والستين، وهم أحد الشوارع الرئيسية في الخرطوم. وبالقرب من موقع العمارة تقع جامعة أفريقيا العالمية، وعدد من الجامعات الخاصة الأخرى، وكذلك العديد من المدارس. كما تتواجد عدد من وكالات السيارات. وبذلك فإن هذه المنطقة في حالة حركة دائمة، وهناك طلب كبير من الطلاب والموظفين للسكن في هذه المنطقة.

عمارة مدينة النخيل تقع في منطقة أبو سعد في أم درمان، وهي تجاور شارع ليبيا الذي يُعد أحد الشوارع المهمة، فهو يتصل بسوق ليبيا المعروف وكذلك بشارع دنقلا السفري. والمنطقة فيها حركة دائمة للبضائع والمسافرين، وقريبة من جامعة أم درمان الإسلامية والجامعة الأهلية وجامعة كرري.


توفر الخدمات

الخدمات ستجذب المستأجرين للإقامة، كما سترفع من قيمة العقار على مدار الأعوام. عمارة المعمورة قريبة من السوق المركزي، وعفراء مول. ويتوفر بالقرب منها عدد من الحدائق مثل حديقة راما ومدينة الطفل والحديقة الدولية، وبالإضافة إلى عدد من المستشفيات والمراكز الطبية مثل مستشفى الشيخ التخصصي ومركز السودان للقلب وغيرها.

عمارة مدينة النخيل تبعد بمسافة قريبة عن سوق ليبيا، وعن حديقة النخيل، وروابي بيتش، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مستشفى السلاح الطبي.

بجانب ذلك، هناك عدد من النقاط التي يجب السؤال عنها مثل، استقرار الكهرباء والماء، ومستوى الأمان وقرب نقاط الشرطة والدفاع المدني من موقع العقار. وكذلك سهولة التصريف في فصل "الخريف".

عائد الاستثمار

نأتي للنقطة الأخيرة، وهي عائد الاستثمار. فكم سيستغرق الحاج سيد أحمد من الزمن للحصول على رأس المال الذي دفعه لشراء العقار عبر الإيجار للمستأجرين؟

لنفرض أن سيد أحمد قد اشترى عمارة المعمورة بمبلغ 16 مليون جنيه، ونظراً لمساحتها الكبيرة فإن كل طابق به 4 شقق "افتراضا"، إذا لدينا 16 شقة. فإذا أجّر الشقق بمبلغ 10,000 جنيه شهرياً في المتوسط. سيكون لديه دخل شهري 160,000 جنيه من إيجار الشقق في المتوسط. ولكي يُغطي تكلفة الاستثمار (بدون حساب التضخم والزيادة في الإيجارات) سيحتاج إلى 100 شهر، أو 8.3 سنة لكي يستعيد ما دفعه في شراء العقار.

أما عمارة مدينة النخيل فستكلف 8 مليون جنيه. وتحتوي على شقتين في كل طابق، أي بمجموع 8 شقق في المجمل. وإذا أجًر سيد أحمد كل شقة بمبلغ 7,000 جنيه شهرياً في المتوسط، سيكون لديه دخل شهري 56,000 جنيه من إيجار الشقق في المتوسط. ولكي يُغطي تكلفة الاستثمار (بدون حساب التضخم والزيادة الإيجارات) سيحتاج إلى 142 شهر أو 12 سنة تقريباً لكي يستعيد رأس ماله.

بالرغم من أن عمارة المعمورة هي أغلى سعراً، إلا أنه تسترجع رأس المال في وقت وجيز نسبياً، كما أنها تقع في منطقة مركزية تحيطها الخدمات وتزدحم بالحركة. ولكن لا يعني هذا بأن عمارة مدينة النخيل هي استثمار سيئ، بل بالعكس لديها معظم المقومات التي تؤهلها لأن تكون استثماراً ناجحاً. والأمر الآن بيد الحاج سيد أحمد، فهو من يقرر ما هو الأنسب له.

أحمد عبدالرؤوف، كاتب ومدون مهتم بالسيارات والتقنيات


التعليقات