العيد في السودان ماضي الطفولة ومذاق الاصالة
العيد في السودان بالاخص في منبع طفولتي (حي العمدة) أحد أحياء أمدرمان الحبيبة، يتوسد ذكرياتي ويختال بها مُعززاً. ربما لأنه الشئ الوحيد الموسوم بكرنفالات الفرح ورائحة الحب. له من الذكريات الحُلوة ما يجعلني أبتسم في السويعات التي تسبقه، مما يجعلني أُمني نفسي بليلة موشحة بالجمال والاصالة. دعونا نختال في أزقة ذكرياتي في العيد بمنطقة حي العمدة.
الذكري الأولي :
لم يكن هنالك من ينتظر العيد وهو فرحاً يرتب ملابسه مراراً وتكراراً لدرجة أنه يسمع طيلة المساء عبارة " ح توسخيها بالهبيش وبكره ح نضحك فيك"، ملابس العيد التي يشتريها والدي عليه الرحمة من محل العم سنوسي أو التي ترسلها خالتي (درية) من الأمارات لم تكن تشبه ملابس الاخرين. مما يجعلني أتبختر بها طيلة يوم العيد من منزل جار لاّخر كمن يقول " ما عندكم زي هدومي". شقيقتاي اللاتي تكبراني تكونان في مؤتمر مصحوب بالاشارات وهن يقررن كيفية تصفيف شعري ليتناسب مع طلتي الملكية.
الذكري الثانية :
الله أكبر.. الله أكبر.. لا أله الا الله.. الله أكبر ولله الحمد
ترتفع أصوات التكبيرات والتهليلات من جامعيّ (عثمان صالح و الشيخ مرزوق) مُعلنا البدء بالأحتفال بالعيد. صوت والدي يقول " أرح معاي نزور حبوبتك" يكون الاول وانا اقفز فرحة علي فراشه وهو يستمع (للست) وكوب الشاي السادة في يده. ولأن في ذاكرتي جدة وحيدة هي التي أعرفها منذ صُغري أهرع لوالدتي وأنا أردد " ماشين لحبوبة لبسيني" لتردف ضاحكة " أمشي ليها كدا وألبسي هدوم العيد بعد ما ترجعوا". كيف يمكنني أن أترك فستاني الجميل وأزورها بملابس النوم. وفي تلك السن بدأت ذكرياتي مع مقابر (البكري) وقبر جدتي ( فاطمة الجلاد)، اتذكر كيف ينثر والدي الأوراق النقدية لأطفال الزائرين، جنيهات لامعة تحمل وجه الرئيس نميري بعمامته الكبيرة.
الذكري الثالثة:
ما بين فرح بقدوم العيد يختلط المسلم بالمسيحي مهنيئين بالعيد السعيد في تلاحم حميم لا يحدث الا في السودان. وفي حي العمدة تحديداَ حيث يحتضن العم طلعت جارنا والدي في فرح وتنتقل الاحضان لي ولاخي مصحوبة بمبلغ مالي ينتقل للخزينة البلتاجية بحجت أعطانا له عندما نحتاجه، ولا يعلم والدي أن عقولنا في تلك السن تعرف كيف تحسب كل قرش وتسجل الداخل الي الخزينة والممنوح لنا والمتبقي من ( العيدية).
الذكري الرابعة:
جمعة أخواتي حول مائدة واحدة وعناق الاقارب وقُبلات الكبارترسم لوحة من الحب في حياتي ، لوحة أدرك أنها مرسومة داخل وجدان كل طفل في السودان، لوحة نحتفظ بها في عناية تامة لا نسمح لأي ذكري أخري بمماثلتها. لوحة لا ينطفئ بريقها حتي مع مرور السنين، وتداخل تجارب الحياة التي تبهت كل ما هو جميل. ذكريات العيد عندي هي لوحتي التي أتمني أن أنقلها لأطفالي يوماً ما ليستمتعوا ببهجت العيد وحب الأخرون كما عشتها، تبقي يوم للعيد دعونا نتحاب ونتصاف ونقول " كل سنة وانتو طيبين والعيد ينعاد عليكم بالخير".
دي كانت ذكرياتي مع العيد شاركونا ذكرياتكم و عيدكم الليلة ..
اجم الاماني مني انا / فاطمة البلتاجي
التعليقات
لأضافة تعليق من فضلك
التسجيل / الدخول