السلامة والصحة المهنية




بحمد الله وتوفيقه ظهرت في الآونة الأخيرة إهتمامات كبيرة بعلم السلامة والصحة المهنية، وهي بإختصار تشمل كل شيئ من شأنه حماية العاملين والحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم بجانب ممتلكات العمل، وترجع بدايات هذا العلم إلى الثورة الصناعية في أوروبا، وسبب إنتشار هذه الثقافة هو دعم غالبية البلدان لقوانين تحمي العاملين وتعاقب أصحاب العمل المخالفين فيما يتعلق بالسلامة المهنية، وبالتالي يصبح صاحب العمل مضطر لإتخاذ إجراءات تحمي عمالته من مهددات السلامة حفاظاً على إستمرار عمله وبالتالي أرباحه وخوفاً من العقوبات التي سيتعرض لها من الدولة، وشيئاً فشيئاً صار هناك تطور في مفاهيم المؤسسات والشركات ودخلت مستحدثات حميدة مثل المسئولية المجتمعية والتنمية المستدامة، وتغيرت نظرة أصحاب العمل للعاملين وكان نتيجة ذلك أن تبنت بعض الشركات الكبرى سياسات السلامة والصحة المهنية لتأتي بأكثر مما تتطلبه القوانين معلنة عن شعورها بإنسانية العاملين والتي تعلو على مجرد تطبيق
للقوانين، ثم أصبحت الشركات الكبرى تتنافس في ذلك وتتبعها بعض الشركات الأقل حتى تلفت الأضواء لنفسها معلنة إتباعها لمسار الشركات الكبرى، لتظهر بعد ذلك شهادات كالأيزو تمنح من جهات معتمدة عالمياً للمؤسسات التي تقوم بتطبيق سليم لمقومات وشروط السلامة المهنية.


كل مهنة مهما كانت بساطتها يمكن أن تؤدي إلى أضرار صحية أو إصابات جسدية لمن يؤديها، ويهتم علم السلامة والصحة المهنية بدراسة هذه الأضرار والإصابات وما يترتب عليها عند حدوثها ومخاطرها وكيف يمكن تفاديها والحد من تأثيرها، ودور المؤسسات في ذلك أن عليها نشر هذه الثقافة والتوعية بالمخاطر الموجودة وتقديم الإرشادات اللازمة لتفاديها وفرض قوانين داخل المؤسسة للحد من وقوع الإصابات والأضرار، وكل المؤسسات والشركات مطالبة بذلك ولكن العبئ الأكبر يكون على المؤسسات الصناعية التي يكون فيها تعامل مع الماكينات والمواد الضارة المختلفة سواء كيميائية أو بترولية والمخلفات كالإشعاعات والغازات.

دائما ترتبط السلامة المهنية بما يعرف بـ People Protection Equipment  وإختصارها PPE وهي تعني معدات الوقاية والسلامة الشخصية، وبها أنواع وأشكال كثيرة جداً جداً أبسطها القفاز، النظارة الواقية، والخوذة، وحذاء السلامة (البوت).



لكي تكتمل الصورة نستعرض بعض الأمثلة للوظائف وعلاقتها بمعدات السلامة، وسأستعرض أمثلة من هذه الأيام، فقبل فترة وجيزة شهدنا عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعليكم وعلى الأمة الإسلامية جمعاء بالخير واليمن البركات، يتقرب الناس فيه إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، وقد يتعرض الذابح لمخاطر الجروح بالسكين أو إصابة بعض أجزاء الجسد بالساطور عند التكسير، لتجنب ذلك يمكن إستخدام قفاز واقي لليدين، وحذاء سلامة قوي في القدمين، والقيام بعملية سن السكين من وقت لآخر لتسهيل عملية تقطيع اللحم، من الأمثلة الأخرى قائد المركب، وهذا يذكرني بحادثة غرق 22 طالب وطالبة في البحيرة قبل بضعة أيام، وهو خبر نزل على كل الشعب السوداني كالصاعقة خصوصاً أن هناك بعضهم إخوة وصل عددهم إلى خمسة إخوة، نسأل الله أن يصبر ذويهم ويجمعهم بهم في الفردوس الأعلى، والتعازي موصولة لكل أقارب وجيران ومعارف الفقيدين، مهنة قائد المركب تحتاج إلى معدات سلامة لنجاة القائد والركاب معاً في حال غرق المركب أهمها طوق النجاة وسترة النجاة، ومثال آخر نضربه بالمعلم في الصف، البعض قد يرى أن المعلم لا يتعرض لخطر ولا يحتاج لأي وقاية وهذا غير صحيح، فالمعلم يكتب بالطباشير على السبورة ويمكن أن يتعرض لأمراض الصدر والرئة نتيجة لإستنشاق غبار الطباشير لفترات طويلة لذلك فهو يحتاج إلى كمامة يستخدمها عند الكتابة على السبورة، كما أنه يقف لفترات طويلة مما يعرضه للتعب ويعرض قدميه للإصابة بأمراض العظام وتتم الوقاية من ذلك بإرتداء حذاء طبي مناسب يعتبر هنا أداة وقاية، ومثال أخير نضربه بالعاملين في مواقع التشييد والبنيان يجب عليهم إرتداء خوذة لحماية الرأس من الأجسام المتساقطة وإرتداء حذاء قوي لحماية الأقدام عند الدعس على مخلفات البناء وربط حزام النجاة المعلق عند الصعود للمرتفعات.


هناك ممارسات أخرى عادية يجب إتباعها للحفاظ على سلامتنا كعاملين كلها تصب في السلامة والوقاية منها مثلاً ربط حزام الأمان عند ركوب العربة والجلوس بوضعية صحيحة عند إستخدام الكمبيوتر وتوفير إضاءة كافية عند القراءة أو الكتابة، والأمثلة كثيرة تختلف من مهنة إلى أخرى ومن وضعية إلى أخرى وكل شخص أدرى بتحديد مخاطر وظيفته من غيره لذا هو أنسب شخص لمعرفة الأدوات اللازمة للوقاية من مخاطر مهنته.

ولا تنسى عزيزي القارئ أن تظهر إلمامك بأساسيات السلامة المهنية في حال دخولك لأي مقابلة عمل بالأخص إذا كانت في شركة صناعية فهذا يعطيك الأفضلية في الإختيار عن غيرك.

دمتم سالمين، وكل عام وأنتم بخير.


التعليقات