عمل السودانين في الغربة
تختلف الدول من حيث الإمكانيات وجودة التعليم وفرص العمل والوضع الإقتصادي والمستوى المعيشة إختلافاً كبيراً، وهذا التباين من الأسباب الرئيسية للغربة والتي تعرف بأنها الإنتقال من الموطن الأصلي إلى بلد آخر بغرض العمل أو التعليم، والبعض يلجأ للغربة كنوع من الهروب من واقع سيئ يعيشه، بعض الناس يسميها الإغتراب وهذا خطأ فالإغتراب حالة نفسية إجتماعية تسيطر على الشخص فتحوله إلى شخص غريب في تصرفاته وبعيد عن الواقع الإجتماعي.
من جانب آخر هناك فرق أيضاً بين الغربة والهجرة، فالغربة تكون لفترة محددة وإن طالت مع الإحتفاظ بالإنتماء للموطن الأصل وتكون غاية لتحقيق أهداف معينة، أما الهجرة فتكون دائماً بغرض التجنيس (الحصول على جنسية دولة أخرى) وعادة ما يعتبرها الراغبين فيها هدف وليس غاية.
في الآونة الأخيرة إندفع عدد كبير من الشباب للغربة بغرض العمل، وهذا حق مشروع، والغربة بشكل عام أمر صعب وشديد على النفس ويظهر ذلك جلياً في العبارات المرتبطة بها مثل (غربة وشوق، نار الغربة) وهناك أغاني سودانية كثيرة عن الغربة منها يا غربة مالك بي، ويا غربة منك شن لقينا، وغربة وشجن، ونار الغربة مين بتحملا، وبالرغم من أن أسامي الأغنيات تدل على محتواها الحزين إلا أن للغربة مزايا كثيرة أهمها:
1/ الحصول على عائد مادي أفضل.
2/ الإستمتاع بخدمات عامة جيدة مثل الصحة والتعليم.
3/ الإعتماد على النفس، وهذا بديهي فقد تكون في بلد ليس معك في صديق ولا قريب وعليك القيام بكل شيئ بنفسك، من طبيخ وغسيل ورعاية في حالة المرض وما إلى ذلك.
4/ الشعور بالحنين تجاه الأهل والأقارب وذلك لمعرفة أهميتهم الناتجة عن البعد عنهم، ففي أحيان كثيرة لا نعرف قيمة الشيئ حتى نفقده.
5/ فرصة لإكتشاف النفس وتطوير الذات بالتعلم من الشعوب الأخرى.
6/ فرصة لتقوية الصلة بالله تعالى، إذ أنه في الغربة نحصل على أوقات فراغ يصعب الحصول عليها في الموطن الأصل ويمكن إستغلال هذه الأوقات في العبادات.
من الناحية الأخرى نجد أبرز عيوب الغربة تتمثل في:
1/ قد تسرق الغربة حياتك فتجد نفسك في حالة ركض دائم وراء الماديات التي قد تفقدك عائلتك وأصدقائك ثم بعد هذا كله لا تحصل على الماديات التي تركت كل شيئ من أجلها.
2/ شعور دائم بقدان الأهل والأحبة يظل ينغص عليك أوقاتك وسعادتك.
3/ البعد عن الوالدين، فهناك لذه في خدمة الآباء والأمهات ومتعة في الجلوس بقربهم لا يعلمها إلا من إضطرته الظروف للعيش بعيداً عنهم.
4/ بعض الدول العيش فيها يكسب الناس قساوة القلب فيصبح ذلك طبعاً من طباعه.
5/ الدول الغير مسلمة قد تغري المغترب فيها فينحدر إلى مهالك الملذات.
بعض الشباب يحاول أن يظهر إستمتاعه بغربته في وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة، ولكن غالبيتهم يشعرون بالشوق والحنين إلى أوطانهم ويكابرون في إخفاء ذلك، وما يدعم كلامي هذا قصة طبيب عربي عاش الغربة في بلاد الغرب وجنى ثروة طائلة، وعند سن المعاش ذهب إلى مكتب إستشارات ليخبرهم أن لديه ثروة ويرغب في أن يدلوه على بلد جميل ليعيش في بقية حياته سعيداً فهو يملك من المال ما يكفيه لبقية عمره، فكانت الإجابة الغريبة والصادمة والجميلة بأن أفضل مكان هو مسقط رأسك حيث قضيت طفولتك، وهذه النصيحة قدمها خبراء علم النفس والعلوم الإجتماعية ودفع نظيرها مبلغ مالي مقدر
إهتم الكتاب والمثقفين بظاهرة الغربة لأنها من القضايا الهامة في المجتمعات ووظائفهم ككتاب ومثقفين التطرق لقضايا المجتمع، فنجد رواية موسم الهجرة إلى الشمال للكاتب السوداني الطيب صالح تتحدث عن الغربة وقد صنفت هذه الرواية من أفضل مائة رواية في القرن العشرين على مستوى الوطن العربي وكذلك كتاب غربة الياسمين للكاتبة التونسية الشابة خولة حمدي والتي تحدثت عن صعوبات ومشاق واجهتها عائلة نتيجة الغربة في الغرب من أبرزها العنصرية، وأخيراً نجد هناك أيضاً كتاب قيم بعنوان الغربة في شعر الجواهري والذي يتحدث عن المواطن العربي في الغربة وكاتبه هو الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري.
علينا أن لا ننسى أننا في الغربة نمثل ديننا ووطننا وأسرنا، فيجب أن نظهر بمظهر لائق وأن نعكس حسن تربيتنا وإعتزازنا بديننا وسماحة عاداتنا وتقاليدن التي نشأنا عليها في الوطن، فربما نكون سبباً في هداية البعض فنفوز فوزاً عظيماً لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
التعليقات
لأضافة تعليق من فضلك
التسجيل / الدخول